فى شرفتى العلوية أجلس ذات صباح ..ومثل كل صباح أحتسى القهوة ، ولكل رشفة مذاق خاص ، كل مذاق ذكرى ، صورة
شعور بالحنين ، فكرة وابتسامة ترتسم على الشفاه
الرشفة الأولى
لمة الأهل كل صباح على مائدة الإفطار
صوت الضحكات تتعالى بأذنى ، وصوت باب المنزل وصرير المفتاح
نداء الأصدقاء ووقع أقدامهم على الطريق
تتعالى ضحكاتنا ونحن نركض مع مع نسمات الهواء
أو نركض وراء عصفور صغير فيطير مفزوعا لنضحك ثانية ، ونركض ، لنصل إلى باب المدرسة
الرشفة الثانية
داخل المدرسة ، مجموعة المدرسين ، تتداخل فى أذنى أصواتهم
انفعالهم وغضبهم .. كلامهم ..ضحكاتهم لازلت أذكرهم بتقاسيم وجههم وتعابيره
بالعرق المقطر على جبينهم من كثرة تعبهم
أذكر أيضا كم أحببتهم جميعهم ويسيطر عليا شعور بالحنين لهم
الرشفة الثالثة
والدى الحبيب يجلسى على المقهى المجاور يلعب الزهر تتعالى ضحكاته
رائحة ما تتسرب الى أنفى فأتنسمها بروحى وداخل شرايينى تذوب
كنت أجلس إلى جواره أشعر بكل أمان ، وكل سعادة لا هم و لا آلام
كان يحتسى القهوة بإستمتاع
بابا انا عايز اشرب قهوة +
لا القهوة دى للكبار-
أصمت وانتظر يوما فيه أكبر فأحتسى القهوة بجوار والدى
على هذه المائدة يوما ما .. وقد ألاعبه أيضا وقد أكسب انا هذا الدور
وتمنيت أن تمر السنين سريعا لأكبر وأرى هذا اليوم
ولكن هيهات حينما تكبر أن يبقى الحال على ما كان عليه ، هيهات أن تبقى الحياة ، وان تبقى الأحلام
أن تبقى سعادة الأيام ، راحة البال ، صفاء النفس وهدوئها
الرشفة الرابعة
ضمة أمى ولمساتها الحانية على شعرى لازلت أذكرها
وأذكر رائحة مختلفة تتسلل أيضا إلى أنفى ، رائحة تشبه كثيرا رائحة البخور
وإن كانت أكثر روعة ، كذلك رائحة القهوة التى كانت تحتسيها عصر كل يوم
لم تكن رائحتها كالقهوة التى أحتسيها اليوم
حتى مذاقها حين كنت أغفلها وأسرق من فنجانها رشفة دون أن تدرى
كان لها مذاقا خاصا أكثر روعة ولذة
كل شىء فيها تشعر معه بالحنان ، ابتسامتها ، نظراتها ، لمسة يدها ،كلماتها ، صوتها
المرح الظاهر بالصيحات المازحة الحنونة ، حركاتها ، جلستها .. هى أمى
وهى أجمل رشفة بفنجان الذكريات
مذاقها لا ينسى
لا ينسى أبدا
انتهى الفنجان لكن الذكريات أبدا لا تنتهى الا بانتهاء الحياة كلها